من إبداعات الكتّاب الشباب
إعداد: بشيرباي محمد أمين
المساهمة الأولى:
"البلاء يأتي مشطورا"
نص بقلم:
إكرام سلمي (كاتبة في العشرين من عمرها، وطالبة جامعية من ولاية الوادي)
البلاء صديق وحبيب وصحبة
وزاوية من الغرفة، البلاء صلة رحم وقرار وعابر سبيل
البلاء كالمحتل فتاك يضطهد
أشلاء قلبك ويأتيك من حيث كنت تشعر به، يستبق الأحداث ويقطع الأحلام وطرقا كنت
تشقها لنفسك بعناية فائقة...
يكسر مشاجب الوقت ويعيد دحرجة ساعتك وأنت تتفرج على تراجيديتك الباذخة وتسخف من
عجزك الذي يطأك، مشلول الأيدي بتشنج في رأسك كشجرة تدمع إشفاقا على نفسها ...تقطع
كل يوم لتوفير الورق لنا ...
أنا أكبر بلاء، أقطع
أرحامها بحجة الورق لكتابة أحلامي السوداء المعتقة، أبكي على الورق حين يجدر بي
الضحك كمريض انفصام وأصمت حين يلزم الصراخ بأعلى صوتي "كفى"...
أنا أتأسف لشجرتي... بحجم
سواد قلبي وبراءة عيني وسخافة العالم الذي أعيش فيه وأتأسف لكوني بلاء من الطراز
الثقيل الذي لا يزول إلا بالموت، أكتب وأكتب وأمزق ما خطت يداي الآدمية وينتهي بي
المطاف إلى تمزيق حوارنا والرمي به بعيدا..
---------------------------------------
المساهمة الثانية:
قصة:
"وريث حرف"
بقلم: إيمان
مريني (كاتبة وقاصة من ولاية باتنة في الثامنة عشر من عمرها، صدر لها قصتين
إلكترونيا)
كان النوم سهلا، بمجرد أن
ينطفئ الضوء يحضر الخيال ليأخذ جان بولاد إلى العالم الجميل، إلى حيث يوجد حلمه
الذي يأمل أن يتحقق يوما ما، كان في داخل قلبه الطفولي البريء "روح من ورق
تحلم أن توزع على وريقاتها الحب والكلمات الجميلة والسعادة لتهديها للطيبين على
هيئة كتاب"...
-
جان بولاد !
-
جان بولاد !.. ستتأخر عن العمل يا بني..
كان ذلك صوت والدته الذي
جعله يخرج بهدوء من نافذة حلمه المزهر... أخرج مذكرته من الدرج وأمه تنظر إليه
وتحملق حملقة المندهش باستغراب! !، قائلة:
-
لم أرى شخصا يحب الكتابة لدرجة أن عينيه الناعستين تعانق
مذكرته الصغيرة كل صباح !
ابتسم جان بولاد ورفع قلمه
وكتب على مذكرته الصغيرة "كراستي،، أردت أن يصلك إحساس قلمي من خلال ما زفته
كلماتي وحروفي،، أردت أن أرسم حكاية طموحي على أوراقك البيضاء، أنا لا أتخيل أن
أواصل درب حياتي بدون الكتابة، فهي تشبه ضياء الشمس الذي أراه كل صباح في وجه أمي،
هي الأمل الذي استنشقه عندما أفتح نافذة غرفتي كل صباح وأرى قريتي الجميلة.."
قبل جان بولاد رأس أمه وذهب مسرعا إلى العمل،،، كان هو الإبن الأكبر لوالديه،
دائما كان يشعر أنه المسؤول الأول عن عائلته، لأنه لم يحظى بأب طيب كباقي الآباء،
جان من عائلة فقيرة ومتواضعة لكنه كان يرى نفسه الأغنى من بعض البشر، لإنه يملك
قلما ينسج خيوطا من أمل.. قلما يفجر حبا.. قلما ينشر بسمة على وجه عابس.
كالعادة دخل جان بولاد
المطعم وارتدى ملابس العمل، علم مديره
وذهب ليحادثه، وبنبرة استهزاء قال له: "لِمَ تأخرت؟، أكنت تحلم أن تصبح
كاتبا؟ أم شاعرا؟ تأكد أن المناصب الراقية لن يحظى بها الفقراء أمثالك"،
اشتعل قلب جان حزنا وتغرغرت عيناه بالدموع، لأن هذا السيد ذكره بحلمه وتحقيقه الذي
بدو مستحيلا! ! في ظرفه الحالي لم يقل
شيئا، كان مجبرا على الصمت، من أجل أمه وإخوته، فذهب ليواصل عمله، وعندما فرغ توجه
إلى مكتب المحاسبة ليأخذ أجرة يومه، فأخبره المحاسب أن المدير ينتظره في المكتب
ليعلمه أنه قد تم طرده دون أن يوضح الأسباب، مالت الأرض بجان ولم يقوى على التفكير
... بأي حق يطرني؟، هل قصرت في عملي؟ هل قللت أدبي مع المدير؟؟ لم يسيطر على نفسه
وأراد الثأر لكرامته التي أهينت، فتوجه إلى المكتب وشياطين الغضب تتقافز أمام
عينيه المتقدتين شررا.. اقتحم مكتب المدير وبعصبية رمى تلك النقود في وجهه محتفظا
بكرامته ولبه، وخاطبه بقوة: " أتعلم أن الفقر والحرمان هما مدرستي كي أصبح
إنسانا يساعد من هم أكثر حاجة منه؟؟ أنت لا تري ما لدي، أتعلم ما أملك..؟ أنا أملك
قناعة سخية وجيبا فارغا لكن يدي ذهبية تكتب لترسم بسمة على قلب انطفأ ويأس من أناس
مثلك.. لتؤنسهم في دنيا فانية لا هي ولا نقودها تشتري سعادة الفقراء"...
خرج جان بعد أن أفرغ ما
كان يخبئه بجعبته طوال عمله في المطعم... توجه مسرعا لبيت الخشب الصغير أمام
المكتبة التي يتمنى لو يغرق فيها وفي كتبها، بدأ يبكي ويحدث نفسه: أنا الآن لا
أملك سوى يدين عاجزتين، كيف سأؤمن مصاريف الجامعة ؟، كيف سأسجل في المسابقة وأنا
لا أملك دينارا في جيبي؟؟
بدأ ذلك الصوت
يرتفع:"جان، جان بولاد، أيها الفاشل ؟؟ كيف تريد أن تصبح كاتبا وأنت عاجز حتى
عن العمل؟"، كان والده من يصرخ ، خرج جان من كوخه الصغير ليستطلع الأمر فإذا
بكل كتبه التي كان يسهر الليالي ويوفر لها المال كي يشتريها تحترق أمام عينيه،
كانت وقفة جان بولاد وكأنه يقول إن حياتي انتهت هنا...
بنبرة وجع بغصة حزن في
حلقه:
-
كتبي .....
-
كتبي ......
عالمي الجميل يحترق...
هرع للورشة كي يحضر الماء
ليطفئ لهيب النيران المشتعلة في كتبه، لكن الذي كان يخشاه قد وقع، فالشيء إن احترق
لا يعود كما كان، ستبقى تلك الرائحة سيبقى ذلك السواد يحوم حولنا ولن ننسى ذلك
الجرح الذي مزق قلوبنا ولن ننسى ما فعله أقرب الناس إلينا.
انهار ذلك القلب الذي كان
مزهرا بالأمل.. كيف سينسى جرحه الذي يصرخ ألما؟؟ وكيف سيبني أملا على مجهول؟؟
فما أصعب أن ترى حكاية
طموحك تتساقط حروفها أمام عينيك....
لم يرجع جان للمنزلـ، كان
يراه متاهة بوجود والده الذي أحرق حلمه، وحتى بيت الخشب لم يبقى منه شيء سوى حطام
أمل أسود ورائحة خيبة تسد الأنفاس، فجلس تحت الشجرة الكبيرة أمام المكتبة.
لكن لم يهدأ ذلك القلب
الحنون،،، خرجت الأم واتجهت نحو شجرة ابنها.. فهي تعلم
أين ستجده في هذا الوقت المتأخر.. اقتربت بلطف وأسندت رأسه إلى صدرها مخاطبة إياه
بهدوء ومحبة: "يا بني، حارب أعداء الأمل في عقلك، وأطفئ لهيب الحقد في قلبك،
وسافر مع الغيوم المثقلة بالفرح، لعلك تلتقي بحلمك الضائع، ببساطة إفعل كل شيء تظن
أنك لا تستطيع فعله".
اندهش جان... فما تفوهت به
أمه لم يكن سوى خواطره التي يكتبها عند يأسه وقنوطه...
تابعت وابتسامة شفافة تزين
شفتيها:" ما الذي كنت تظنه يا ولدي؟؟ أتحسب أن لا أحد يقرأ حروفك
الجميلة؟".
أزهر ذلك القلب من
جديد:" أمي أتعلمين! أنا لست بشاعر ولا كاتب عظيم لكني ورثت حرفا يشبه حضنك
الدافئ.. حرفا يشبه حب الوطن.. كلاهما غال على مهجة روحي".
تغرغرت عيناها بالدموع
وأخبرت جان أنها تفتخر به كونه ابنها وكونه يحمل حرفا يمطر صيفا ويزهر شتاءً.. كاد
يطير فرحا عندما أخبرته بوجود مسابقة للقصص والفائز فيها يكمل دراسة الأدب بمنحة
في الخارج. لكن فرحته سرعان ما انطفأت لدى تذكره ما حدث منذ سويعات..
جان بولاد: كيف سأشارك وكل
كتبي احترقت أمام عيني؟ كيف ؟؟
-
أهذا ما شغل بالك؟ ستشارك بحرفك الجميل، أنا واثقة من
نجاحك، شارك ولتتخلص من الفقر والبؤس..
-
وسد أذنيك وعفها من سماع نعيق الغربان التي تتمنى لك
الفشل.. عليك أن تفتح صفحة جديدة لتكتب فيها حكاية طموحك.
لم يكن أمام جان سوى خمسة
عشر يوما ليكتب قصة قد يتحقق بها حلمه الذي كان دائما يطمح للوصول إليه، أن يكون
اسمه مذكورا على غلاف كتاب وأن يلتحق بكلية الأدب، شارك جان بولاد في المسابقة
وكتب قصة حياته "وريث حرف".
اشتغل جان عشرين يوما قبل
ظهور النتيجة للعمل في مخبز، وكلما اقترب يوم النتيجة كان أكثر شرودا وخوفا من أن
ينسف كل شيء ويبقى مجرد عامل بسيط.. دون شهادة.. وكل العيون تحتقره وتحتقر عمله
البسيط الشريف.
وهذا صباح آخر!
لمح طيف والدته مسرعة وهو
في المخبز كعادته، ظن أنها آتية لتأخذ الخبز ككل صباح فلملم ملامح الحزن وغلفها
بابتسامة واهنة.. وضع في كيس بضع أرغفة وتركها على الطاولة..
قالت: صباح النجاح بني !
ردّ: صباحك جنة يا أماه...
ولم ينتبه لعبارتها
الأخيرة، وهم بالكيس يمده إليها فابتسمت مردفة: ابني جان ها قد أتى الصباح الموعود
حاملا عمه قصة نجاحك الجديدة، وأحلاما تحمل آملا تمحو ألم قلبك الذي تعذب حتى وصل
إلى هذه النهاية التي رسمتها بقلمك وخيالك... ورغم فقرنا يا بني ورغم ظروفنا
القاسية إلا أنك كنت تحمل قلبا مليئا بالحب والطمأنينة والاحترام.. هنيئا لك
النجاح يابنيّ.
يقول هاردن:" الفقراء
الذين يتبادلون الحب هم الأغنياء الحقيقيّون"
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق