بعد أزيد
من سبعين سنة، مآثر القاضي الفقيه عبد الله حشلاف تعود إلى مستغانم
الديوان
تسلط الضوء على الملتقى التكريمي الرابع للفقيه والقاضي حشلاف عبد الله
نظم أول أمس المركز
الثقافي الإسلامي لمدينة مستغانم بالتنسيق مع عائلة حشلاف الملتقى التكريمي الرابع
لذكرى وفاة العلامة القاضي عبد الله حشلاف رحمه الله، تحت شعار "إسهام القاضي
عبد الله حشلاف في المحافظة على التراث الديني الجزائري".
الملتقى الذي انطلق في
حدود الساعة العاشرة عرف حضور العشرات من المشايخة وأعيان مستغانم وأساتذتها على
رأسهم السيد عبد القادر بن دعماش رئيس المجلس الوطني للآداب والفنون، إضافة الأسرة
الإعلامية بمختلف وسائلها السمعية البصرية والمكتوبة، في حين ترأس الجلسة الأستاذ لطروش
العربي عضو سابق في المجلس العلمي بمديرية الشؤون الدينية والأوقاف بمستغانم وإطار
سابق في قطاع التربية والتعليم بمساعدة السيد الشارف حشلاف ممثل عائلة حشلاف.
وقد افتتح الملتقى
التكريمي بآيات بيّنات من القرآن الكريم بتلاوة من الإمام حشلافي سالم، ثم استمع
الحضور إلى النشيد الوطني قسما، ليأتي بعدها الدور على مدير المركز الثقافي
الإسلامي السيد زبار محمد ليلقي كلمته التي شكر فيها الأساتذة المشرفين على
الملتقى وكذا الحضور، وأكّد على ضرورة إحياء مثل هذه المناسبات التاريخية قائلا
إنه لابد لنا حماية الهوية الوطنية بإحياء مآثر العلماء والصالحين خاصة في زمن
نعيش فيه فراغا روحيا رهيب.
وقام الدكتور حشلاف أحمد
عبد الحكيم بإلقاء كلمة ترحيبية باسم عائلة حشلاف مبرزا فيها دور القاضي حشلاف في
الحفاظ على الدين والهوية في وقت كانت مقومات الأمة الجزائرية تحتضر، وبعده مباشرة
اعتلى الدكتور فاضل عبد القادر المنصة ليقدم مداخلته التاريخية التي تطرق من
خلالها إلى مؤتمر الصومام الذي تزامنت ذكراها مع هذا الحدث التكريمي، ومن أبرز ما
قاله الدكتور فاضل في مداخلته: "العلامة القاضي حشلاف واجه الحملات التي كانت
تقوم بها فرنسا من أجل إجهاض القضاء الإسلامي في فترة 1830 و1962 بغية التشكيك في
مصداقية الأحكام الإسلامية".
الدكتور شعلال رئيس
الإتحاد العالمي للزوايا هو الآخر قدم مداخلة سريعة بعنوان الأشراف على ضوء كتاب
سلسة الأصول ألقى فيها الضوء على عدة نقاط دينية حساسة أبرزها الحركة الوهابية
وموقف الفقيه حشلاف منها، حيث قال إن القاضي حشلاف عبد الله والعلامة عبد الحميد
ابن باديس رحمهما الله قد اشتركا في رأي واحد فيما يخص الدعوة الوهابية أي أن
كلاهما أشادوا بها كفكرة لا كتطبيق بحجة تدخل السياسة في عملية التطبيق، وأضاف ذات
المتحدث إن الفقيه الراحل حشلاف قد تودد إلى المتصوفين في رسالته وكتبه، وأشاد
الدكتور شعلال بضرورة دراسة الإسهامات الفكرية والمواقف الشجاعة التي عرف بها
القاضي، فيما ختم مداخلته بدعاء طيب لروح الراحل حشلاف.
وقد تطرق ضيف مستغانم
الدكتور لعشريس عباس القادم من سيدي بلعباس إلى دعوة القاضي حشلاف للاحتفاء
بالعلماء وآل البيت ضمن المحافظة على الهوية الجزائرية من خلال دراسته لرسالة الراحل
حشلاف المعنونة بالقول الفصل في جواز زيارة أولياء الله الكّمل، وأكدّ الدكتور
عباس أن القاضي حشلاف كان مع جواز تقبيل يد ورأس العلماء والصالحين لأنها من سمات
الأمم التي تحترم العلماء وتقدرهم كما أشار إلى أن القاضي حشلاف قد دعا إلى تكريم
العلماء العاملين والمشايخة الصالحين. وختم الدكتور لعشريس مداخلته القيمة بدعوة
إلى الاحتفاء بأمثال الفقيه عبد الله حشلاف في ملتقيات وتظاهرات أكبر.
وقدم الدكتور شارف لطروش
الأستاذ الجامعي بجامعة مستغانم قراءة في أعمال القاضي عبد الله حشلاف ومساهمتها في المحافظة على
الهوية الدينية الجزائرية، حيث قام الدكتور باستخلاص فوائد زيارة أولياء الله
الكمل وأشاد بالقدرات اللغوية والمكتسبات المعرفية التي كان يتمتع بها القاضي
الراحل.
وقبل اختتام الملتقى
التكريمي قام السيد بلقاسم ضيف القادم من ولاية الجلفة بعرض أرشيف من المقالات
والقصائد التي نشرتها جريدة البلاغ للعلامة عبد الله حشلاف في سنتي 1929 و1934،
فيما ختم الملتقى الإمام حشلافي سالم بمداخلة بعنوان "فذلكة حول مشروعية
زيارة مقامات الصالحين والتوسل بهم، من رسالة القاضي حشلاف".
وقد أشاد الحضور الذي ملأ قاعة
المحاضرات بالملتقى وبالمجهود المبذول في سبيل التذكير بأعلام منطقة مستغانم
وعلمائها.
والجدير بالذكر أن اللجنة
العلمية للملتقى التي يتراسها الأستاذ لطروش العربي تقوم حاليا بالتنقيب والبحث عن
آثار القاضي حشلاف من أجل طبعها في القريب العاجل.
وللإشارة يُعد الفقيه
حشلاف عبد الله المولود بأولاد بوعبسة ببوقيراط سنة 1873 واحد من رجال الجزائر
الأوفياء الذين شكلوا معالمها التراثية والفكرية والدينية والعلمية ورسموا أبعادها
وهويتها، وقدموا نماذج عن رجال العلم الجزائريين الذين قاوموا بأفكارهم وأقلامهم كل
فكر نازح كان قادرا على تدمير كيان الأمة وتخريبها. وقد توفي سنة 1937 تاركا ورائه
إرثا معرفيا دينيا وعلميا حقّ للجزائر أن تفتخر به حيث ألف عدة كتب أبرزها: كتاب
القول الفصل في جواز زيارة الأولياء الكمّل، كتاب بهجة الأنوار في نسب آل البيت
المختار، كتاب روضة العاشق في شمائل ابن المشرقي الصادق، كتاب الإرشاد في تجديد
العهود والأوراد، كتاب الشرف المصون لآل كنون. وقد طبعت ونشرت هذه الكتب في تونس،
كما عمل الفقيه حشلاف قاضيا في مشرية من سنة 1914 إلى 1918 لينتقل بعدها في 1924
إلى الجلفة ليُنصب كقاضي قضاة الولاية إلى غاية 1934، ثم عاد لمسقط لرأسه قبل أن
توافيه المنية.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق