أبدعت جمعية "إمكراس" للتراث و الفولكلور القادمة من بلدية العطف ولاية غرداية نهار الخميس في فعاليات مهرجان الرقص الشعبي "زوبعة فنون الصحراء" المنظم من طرف مديرية الثقافة بسيدي بلعباس ، و تحضره لثلاثة أيام فرق من ولايات أخرى على غرار إيليزي و تمنراست و أدرار و كذا فرق محلية ، و قد كانت الجمعية المذكورة خير سفير للعادات و التقاليد الزاخرة التي تتميز بها منطقة غرداية .
جريدة "الديوان" تقربت من رئيسها السيد أحمد بوهون و حاورته بهذه المناسبة ، حيث صرح أن عمل جمعيته الدؤوب هو الحفاظ على التراث الغرداوي بمفهومه الواسع و ترقية المنتوج الثقافي الأصيل ، و قال المتحدث أن للتراث أهمية بالغة في تقوية اللحمة الوطنية ، مؤكدا في سياق تصريحاته على ضرورة تقوية إلتفاتة السلطات للنشاط الجمعاوي بغرداية ، و تمكين الجمعيات التي تنشط فعليا من شتى أنواع الدعم ، و قال أن جمعية "إمكراس" تعمل و لا زالت على ترقية الثقافة الغرداوية و لديها العديد من المشاريع في هذا المجال .
الديوان : كيف تصفون مشاركتكم و ما السر وراء تسمية "إمكراس" ؟
أحمد بوهون : حضرنا تلبية لدعوة الجمعية الثقافية بني عامر بالتنسيق مع مديرية الثقافة و دار الثقافة لسيدي بلعباس لتمثيل ولاية غرداية في هذه المناسبة ، التي تتزامن مع إحياء ولايات الوطن لشهر التراث الممتد بين 15 أفريل إلى غاية 15 ماي ، و هي مناسبة لتمثيل التراث المحلي لولاية غرداية من خلال برنامج حافل يتضمن معارض حول أهم ما أبدعته أنامل الحرفيين ، لاسيما المرأة الغردواية خصوصا الزربية التقليدية ، ناهيك عن تقديم عروض فلكلورية و التعريف بعروض "الديوان" التي تعرف بها المنطقة ، و حتى بأشهر مأكولاتها التقليدية ، كما نشارك في قافلة فنية بالمناسبة وسط المدينة لكي يتعرف مواطنو سيدي بلعباس على الإرث الثقافي لولاية غرداية ، و إسم "إمكراس" الذي سميت به الجمعية كلمة أمازيغية نقصد بها الرجل الشجاع و القوي في عز الشبيبة و هي سن ما بين الثلاثين إلى 45 سنة ، إذن "إمكراس" تمثل الرجولة الحقة قبل مرحلة الكبر ، و لها دلالة في الهيئة العرفية الميزابية المعروفة كتكوين إجتماعي و هي هيئة "العزابة" و هي هيئة تسيير المجتمع ، فهيئة "إمكراس" التي تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية ، كان لها منذ الأزل مهمة اليقظة و الحراسة في المجتمع و ما زال الأمر كائنا لحد الآن ، فالتراث هو كلمة ، رقصة ، أكلة شعبية ، فلكلور ، لباس و غيرها و هي كل متكامل تمثل التراث ، و جمعية "إمكراس للتراث و الفولكلور" تأسست منذ سنتين على إثر القانون الجديد للجمعيات لاسيما المادة 12 التي تسمح بتأسيس جمعيات بالبلديات ، و هي إمتداد للفرقة الفلكلورية للبارود "تاجنينت" الناشطة منذ سنوات الثمانينات ، و التي مثلت أحسن تمثيل الطابع الفلكلوري للمنطقة ، و لباسها التقليدي الأصيل و السلاح العتيد على غرار "الكارابينا" و "الطبجي" ، و من أهدافنا الحفاظ على التراث المحلي و التقاليد و فلكلور المنطقة و المنتوج الثقافي الأصيل ، و منه الثقافة الجزائرية و تمثيلها أحسن تمثيل خصوصا في مناسبات ثقافية في الخارج .
الديوان : هلا حدثتمونا عن مشروع مركز التكوين الفلكلوري الذي تعكف عليه جمعيتكم ؟
أحمد بوهون : مركز التكوين الفلكلوري هو مشروع أصفه بالطموح وهو سيتم على المديين المتوسط و الطويل ، و تأسيس المركز يتطلب إمكانيات كبيرة ليست بالهينة يمكن أن تكون فوق إمكانيات الجمعية ، لكننا كلنا أمل للمضي قدما لتحقيق هذا المشروع الذي سيكون له بعد وطني ، و سيسمح بتكوين فئات الأطفال و الشباب ، لدينا حاليا مقر مؤجر و نملك قطعة أرض نطمح لإستغلالها ، و لكي نحقق هذا المشروع يجب توفر بنية تحتية تتطلب إمكانيات و تكوين و تأهيل و أساتذة متخصصين ، خاصة في الفلكلور الغرداوي الذي يملك نوعية خاصة تميزه عن باقي الطبوع ، و هوية فيها أسرار و تقنيات خصوصية المنطقة لوحدها ، و في هذا المقام تعمل جمعيتنا على التطرق للفلكلور ، و للجانب التراثي أيضا بصفته مهم جدا ، حيث قمنا السنة الماضية بندوة حول تراث و طبوع المنطقة ، وجدنا من خلال بحثنا أن الفولكلور الغرداوي يضم سبعة طبوع حسب ما خلصنا إليه بمعية أكاديميين متخصصين ، و إن لم نقل أكثر حسب الإحتمالات ، فبحثنا في التراث متواصل لإحياء طبوع قد إختفت و زالت ، من ضمنها مثلا " الخزانة "و "الهداوي" و "أقديم" و غيرها من الطبوع التي تمتاز بنوتة فنية خاصة ، و نحن كجمعية بصدد إعادة تسجيل هذه الطبوع ، و بلغت العملية حاليا نسبة خمسين بالمائة .
الديوان : كيف تصفون كجمعية الحركة الثقافية بولاية عريقة كغرداية ؟
أحمد بوهون : في غرداية نحن في الميدان و الفعاليات الثقافية في غرداية ينقصها الكثير ، و يمكن أن نقول أنها شبه ميتة إن صح التعبير ، و لنكن صرحاء منطقة غرداية تحتاج لعمل أكثر فهناك مناسبات ثقافية من أجل المناسبات في إطار البرامج السنوية ، و لكن منطقة كغرداية تحتاج لأكثر من ذلك بدليل وجود زخم من الجمعيات الناشطة التي تعمل لترقيتها تستحق إلتفاتة أكثر ، و السبب يمكن أن يكمن في البيروقراطية ، لكن هذا لا يمنع وجود إرادة من طرف المسؤولين ، و مثال ذلك والي ولاية غرداية الذي طلبنا منه مساعدتنا بوسيلة للتنقل فكان لنا ذلك ، لكن عندما تقدمنا بالطلب لمديرية الثقافة لم تستجب لنا و السؤال يبقى مطروح لماذا ؟ كما توجد عراقيل أخرى لإبراز التراث الذي يحتاج للكثير من العمل ، فمثلا نحن من بلدية "العطف" المسماة أيضا "تاجنينت " ، و هي أول قرية أنشئت على مستوى وادي ميزاب منذ ألف عام و هي بالتالي حضارة قديمة ، فيها أول قصر مبني بالمنطقة مدفون تحت الرمال و هو قصر "ثالزيط "، و قد طالبنا نحن كجمعية ضرورة تدخل السلطات من أجل إعادة هذا المعلم للواجهة ، و الذي يحوي مخطوطات و حجرات و حتى قبور و آثار هامة تستحق الإلتفات لها ، و تسعى الجمعية للتحسيس بأهمية هذا المشروع ، و سنذهب لحد المبادرة بدراسة توبوغرافية على المعلم ، كما أننا بدأنا بالتحسيس و الدراسات الأكاديمية بخصوصه ، حيث قام إطار دكتور من جامعة سيدي بلعباس بمذكرة دراسة أكاديمية في مجال التاريخ حول هذا المعلم و أعطى له جانبا كبيرا في دراسته ، كما بدأنا مع الأطراف الفاعلة بعمليات تحسيس على كل الجبهات بإتجاه الوزارة ، و أذكر أن مهندس فرنسي في الفترة الإستعمارية قام بكتابة مؤلف بخصوص قصر "ثالزيط " سنة 1913 ، و التحسيس هو أول خطوات في مشروع إعادة هذا القصر للواجهة ، كما أوجه رسالة إلى السلطات أنه من الجيد العمل على إحياء التراث و النزول إلى الميدان و الإحتكاك بالجمعيات الفاعلة ، لأن الثقافة ليست بيزنس فقط ، إذ توجد جمعيات تأخذ مساهمات الدولة دون العمل الميداني بالمقابل ، و في الوقت الراهن في زمن التقشف حان الأوان لإلتفاف الإدارة حول الجمعيات التي تنشط فعليا في الميدان ، و تحسين الإتصال بين الجمعية و الإدارة.
الديوان : كيف يبلي شباب اليوم في الحفاظ على التراث في عصر الحداثة حسبكم ؟
أحمد بوهون : سؤال مهم للغاية ، يوجد شباب في زمن التكنولوجيا و الحداثة من يهتمون بالتراث ، فجمعيتنا تستقبل شبابا يودون الإنخراط فيها ، لكن هناك فئة قليلة جدا تريد العمل من أجل ترقية التراث الغرداوي خصوصا المثقفون ، و هناك شباب يودون الإنخراط في الجمعية إلا لهدف المتعة و الترفيه و مزاولة الرقص الفلكلوري ، و من أجل الفضول و الإنضمام فقط ، أما الفئة الأخرى فهي التي تريد تقديم إضافة للمنطقة منهم أساتذة في التاريخ و التراث ، يحبون الإسهام اليد في اليد مع جمعيتنا بمعرفتهم و علمهم ، لكنها تبقى فئة قليلة مقارنة مع إقبال من أجل الظهور و الرقص الفلكلوري فحسب ، لكن أكيد في وقت التكلنولوجيا و وسائط الإتصال هناك فئة لا زالت و ستظل تهتم بالتراث ككل ، لكنها محدودة جدا .
الديوان : ما هو دور التراث و الزخم الثقافي في تقوية اللحمة الوطنية ؟
أحمد بوهون : التراث يبين الهوية الجزائرية و عادات و مجتمع معين في زمان معين و منطقة معينة ، فعمل كل مجتمع و عمل كل جمعية على ترقية موروثها سيخلق تنوعا تراثيا رائعا ، فمثلا في قسنطينة عاصمة الثقافة العربية و الله تدمع العين عندما رأيت تنوع الزخم الثقافي و فسيفساء جزائرية منمقة حضرت فعاليات هذه المناسبة ، و أقول لك بصريح العبارة أنني لا أحبذ الكلام في الشأن السياسي ، لكن بعد أحداث غرداية الأليمة التي مرت بها و إستتب بعدها الإستقرار ، أحيينا عيد الزربية مؤخرا وجدنا لحمة و تواصل كبير من شتى شرائح المجتمع ، حتى أننا كغرداويين بين عرب و ميزابيين تنقلنا إلى ولاية الأغواط بعد ذلك و نشطنا فعاليات تظاهرة فنية ثقافية في نفس المحور ، و كنا نتكلم و نتفاعل بشكل عادي جدا في مهمة للتعريف بالتراث الغرداوي هناك ، و هو إن دل على شيء يدل على دور الثقافة و التراث في تقوية اللحمة الوطنية .
الديوان : هل من نشاطات أو مشاركات في المستقبل ؟
أحمد بوهون : تلقينا دعوتين من الخارج في الأردن و في تونس قبل مدة ، و كان قد تعذر علينا الحضور العام الماضي بسبب الإمكانيات ، لكننا سنتنقل لتمثيل الجزائر إن شاء الله هذا العام ، كما لنا عادة في ولايتنا كنا سباقين لإعادة إحيائها بعدما أفلت منذ 35 سنة و هي عادة "أليس واعمر " ، و كانت الجمعية قد أحيتها قبل أسبوع من الدخول المدرسي المنصرم ، و تحضر لها في نفس الظرف مستقبلا و بشكل منتظم ، و تجسد هذه العادة إرتحال أجدادنا و العائلات الميزابية في موسم الصيف من داخل القصر القديم نحو جنان المنطقة بحكم طقس منطقة غرداية الحار ، و فيها تتجمع العائلات باللباس التقليدي خصوصا الأطفال و البنات ، و نحضر الخضر الموسمية و الفواكه على رأسها "الرمان" الشائع خلال الفترة كمحصول موسمي ، و تتجمع العائلات وسط جو بهيج تقليدي فلكلوري في مسيرة تمر عبر كل شوارع مدينة غرداية ، لتنتهي بالتجمع وسط الساحة في جو من الأهازيج و الغناء الفلكلوري كنوع من الإحتفالية ، كما نحضر أيضا لمناسبة فكرية و تاريخية تزامنا مع أول نوفمبر المقبل عيد الثورة التحريرية ، و ستكون ولاية سيدي بلعباس على رأس قائمة المدعوين للمشاركة ، فهذه الولاية كانت من الأوائل في كسر الجمود الثقافي الذي عانت منه غرداية ، التي عاشت ظروف صعبة غداة فيضانات سنة 2008 ، و حلت جمعياتها على غرداية أنذاك في قافلة تضامنية ، من بينها فرقة بني عامر و فرق أخرى من سيدي بلعباس ، وهو موقف تاريخي ميزه برنامج ثقافي منوع دعما لنا في الأوقات الصعبة ، كما أن الجمعيات المشاركة أصرت على العودة إلى غرداية لكي تطلع على وجهها الجديد بعد الفيضانات ، و في هذا الصدد يتم التنسيق من أجل قافلة ثقافية ثانية من سيدي بلعباس تضم العديد من الفنانين ، منهم الفنان المعروف في مسرح الدمى قادة بن شميسة و جمعية بني عامر و غيرها و شخصيات أخرى أكثر من 45 فردا سنكون في إستقبالهم ، و تعريفهم بالتراث عن كثب ، و أيضا تعريفهم بالألعاب التقليدية التي تعرف بها المنطقة ، و هو أيضا من بين المشاريع التي تعكف عليها الجمعية كذلك من أجل ترقيتها و التعريف بها .
الديوان : هل من كلمة أخيرة تودون الإدلاء بها ؟
أحمد بوهون : أريد أن أنوه في هذا الإطار بمجهودات ديوان ترقية تراث وادي ميزاب OPVM ، و هو هيئة لها إستقلالية إدارية و مالية عن مديرية الثقافة ، و تعمل مصالحه بشكل كبير وجبار لصالح التراث الغرداوي و أوجه لهم تحية على الدعم ، حيث تلقينا منه كتيبات هامة جدا منجزة باللغة الفرنسية و العربية ، و هي قيمة للغاية فيها دراسات أكاديمية تساعد كثيرا في ترقية تراث المنطقة و التعريف به ، و التي أحضرت معي بعضها بالمناسبة ، لكي أوزعها على الحضور أملا أن تنال رضى السلطات و المجتمع المدني و المواطنين ، و كلمة أخيرة شكرا للسلطات و العاكفين على هذه المناسبة التي أحببت إسمها "زوبعة فنون الصحراء" ، و لجريدتكم و كل طاقمها و لك شخصيا على التغطية و الحديث عن جمعيتنا ، و مرحبا بكم في أي وقت للتعرف على تراث منطقة غرداية ، و ما جئنا به عينة فقط عن زخم التراث الغرداوي من كل بستان زهرة ، و أملنا أن نعمل من أجل التراث و من أجل لحمة وطنية ، و نحن نعيش مؤشرات جيوسياسية صعبة ، و هنا تلعب الثقافة دورها لكي نكون وطنيين و أملنا أن نصل إلى تحقيق كافة أهدافنا .
أجرى الحوار : أنس.ب
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق