تحقيق
تـــــراث مــــــــنسي بدائرة جامعة في ولاية الوادي
قصر” تمرنة… “ الكــــــــــنز الدفــــــين
تحقيق
: مريم .ج
تزخر الجزائر بالعديد من المناطق التاريخية و التراثية التي تؤرخ لتاريخها وماضيها وحاضرها ومستقبلها، كما أن الجنوب الجزائري والصحراء لها الكثير من المناطق الهامة في حقبتها التاريخية و الأثرية التي كانت محطات هامة من الزمن وعبر العصور ،حين كانت القبائل والعشائر تسكن في قلاع مساكن متجمعة كانت تطلق عليها اسم القصور من بينها قصر تمرنة ببلدية بقرية الزوالية بلدية سيدي عمران الواقعة بدائرة جامعة ولاية الوادي ، هو الإرث التاريخي المتميز وهو كنز دفين في منطقة قروية بطبيعة ساحرة ومناظر خلابة ، كما أنه صنّف من التراث الوطني ذو المعالم الجزائرية و طبيعة العيش البسيطة بساطة أهلها وسكانها ،لكنه يعاني الإهمال و التهميش و عدم إعطائه القيمة التي يستحقها لأنه يمكن أن يعطي بعدا أكثر مما هو عليه من الجانب التاريخي والثقافي الاجتماعي والاقتصادي وحتى السينمائي وهو ما يسوقنا للتطرق إلى التعريف بهذا الكنز الدفين قصر تمرنة بوادي ريغ :
جذوره وتأسيسه تاريخيا
يعود تأسيس قصر تمرنة حسب ما ترويه المصادر التاريخية إلى تأسيس تمرنة في القرن الرابع هجري ويعني أنها تأسست قبل حي القصبة بالجزائر العاصمة بـ 11 سنة ،وكان أصل سكانها برابرة عربهم الإسلام ، والذين اختلطوا ببعض الوافدين العرب المشارقة ، قبل أن تنشأ تمرنة الحالية ،وقد شهدت ميلاد عدة قرى اضمحلت
وأصبحت ملخصة في اسم تمرنة القديمة ، وكانت البداية بكلمة اوتيما وهي كلمة بربرية تعني البلاد القديمة ، تقع بين تمرنة القديمة والجديدة ، وقد دفنت بالرمال والعوامل الطبيعية ،وهو ما دفع السكان إلى هجرتها وانقسموا إلى قسمين ، قسم أسس بلدة سيدي بوخيران ، وبعد زوالها أسست تمرنة القديمة ،والقسم الثاني أسسوا السيفاوي وبعد زوالها أسسوا تمرنة الجديدة ، ومع مرور الزمن تآكلت البنايات انقسم سكان تمرنة القديمة إلى قسمين آخرين الأول أسسن قرية الزوالية و الثاني أسس قرية الشمرّة ، أما موقعها فهي تقع في الجنوب الشرقي الجزائرية وتابعة لبلدية سيدي عمران بولاية الوادي ، وقد بنيت على هضبة غمرتها في القديم مياه وادي الرتم وجزأتها إلى قسمين كما أنها تتوسط واحة من النخيل ، وقد استعملت مواد البناء المحلية في تشكيلها ، الطين ، الجبس ،الأعمدة الخشبية من جذوع النخيل تستعمل للسقف وأعمدة البيوت ،و قد اختيرت بدقة لأنها حارة شتاءا وباردة صيفا ،أما تشكيل هندستها فهي دقيقة وبنظريات علمية بحكم التجربة في الحياة والتي تتأقلم مع الحياة فقد كانت معظمها مبنية على طابقين ،ومزينة بالزخارف الإسلامية والمتناسبة مع الأسرة الجزائرية والصحراوية المحافظة ،بالإضافة إلى العديد من الروابط الاجتماعية القوية التي كانت موجودة في القصر ،وقد ساهم قصر تمرنة في التعريف بالمنطقة بشكل كبير و استقبال الكثير من السياح والضيوف والشخصيات الهامة ، تناولت الكثير من الوسائل الإعلامية هذا الكنز التراثي الكبير الذي لم يلق حقه في الاهتمام والعناية .
قصر تمرنة الإهمال ...الاندثار ...إلى أين ؟
يمكن لقصر تمرنة أن يكون وجهة وقبلة لكل السياح القادمين للجزائر بالنظر إلى جماليته كبناء تراثي قديم ، ويؤرخ لحقبة مهمة في تاريخ التراث الجزائري ، وهو المعلم الذي يوجد بوادي ريغ ، إلا أن الإهمال الذي أصابه و الظروف المناخية و الطبيعية زادت من معاناته وتشققاته التي أتت على أجزاء منه و أسقطت البعض الآخر ، وان كانت بعض الترميمات التي مست جزء منه وهو الذي تم الحفاظ عليه ، قد أعطت له الحياة مجددا ، وان لم تكن بالشكل الكافي ،فقد عرف جزء من قصر تمرنة الترميم وإعادة الاعتبار وهو منزل شيخ القرية وبعض البيوت المجاورة له إلا أن أجزاء أخرى وشوارع لم يسمها الترميم الأمر الذي جعلها تندثر و تسقط بعل العوامل المتعددة ،وهو ما
جعل أهل المنطقة يطالبون الجهات المعينة بإعادة الاعتبار لهذا المعلم التاريخي والحضاري ،خاصة أن العديد من التظاهرة الثقافية و الدينية المحلية يحتضنها هذا القصر ،أما من الناحية الجمالية فهو أبعد فيما تصميمه إلى حقبات تاريخية متميزة وعريقة ،أما من الناحية الفنية وقد اختير في عدة مرات من طرف مخرجين لأفلام سينمائية ووثائقية كموقع للتصوير و الإخراج نظرا لما يملكه من مشاهد ثمينة و لا تتوفر في أكثر المواقع شهرة للتصوير وهو ما أسال لعاب الكثير من المخرجين التليفزيونيين إلى تصوير الكثير من المخرجين أخرهم المخرج الأردني بسام المصري الذي اختار قصر تمرنة لتصوير احد الأفلام التاريخية الثورية ، وغيره من المخرجين الذين وضعوه ضمن مواقع التصوير المتميزة ،إضافة إلى البعد الاجتماعي و الاقتصادي فهو يمكنه أن يكون دخلا للكثير من العائلات عند استغلاله كمورد سياحي وعبور أعداد من السياح على المنطقة ،الأمر الذي جعل الجمعيات الناشطة في دائرة جامعة ومختلف فعاليات المجتمع المدني تطالب السلطات المعنية بإعادة الاعتبار، وإلا فإنه سوف يندثر بفعل العوامل المذكورة سابقا.
"قصر تمرنة" مصنّف كقطاع محفوظ
نظرا
لأهميته التاريخية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية ، والبيئة التي يتواجد فيها
هذا القصر فقد تم حفظه كقطاع محفوظ ، لأنه يؤرخ لحقبة زمنية هامة في تاريخ الجزائر
، كما أنه يوحي بتراث وعادات وتقاليد هامة في المجتمع الجزائري،فحسب تقارير مديرية
الثقافة لولاية الوادي و فإنه قد تم تصنيفه وفقا للمرسوم التنفيذي رقم 09-406المؤرخ
في 12 ذي الحجة عام 1430 الموافق لـ:29 نوفمبر 2009 والمتضمن إنشاء القطاع المحفوظ
لقصر تمرنة وتعيين حدوده ، والقاضي بتصنيفه إلى قطاع محفوظ ،كما أكدت مديرية
الثقافة ولاية الوادي أن القصر أصبح من المصنفات ، إضافة إلى القيام بدراسة إعداد المخطط الدائم لحفظ واستصلاح
القطاع المحفوظ "قصر تمرنة" الواقع في بلدية سيدي عمران بدائرة جامعة في إطار
برنامج دعم النمو الاقتصادي . و قد استلمت
مديرية الثقافة المرحلة الأولى من الدراسة في انتظار عرضها ومناقشتها ، وهو ما
يمكّن من إعطاء دفعة ايجابية لترميمه وتقييمه من جانب الحفاظ عليه .
جمعية المنار الثقافية بدائرة جامعة تولي أهمية بالغة في التعريف به
أكد
نائب رئيس جمعية المنار الثقافية ببلدية الزوالية سيدي عمران بدائرة جامعة السيد
درويش لمنور أن الجمعية لا تدخر جهاد في التعريف بقصر تمرنة وكل المناطق التاريخية
والتراثية بمنطقة وادي ريغ وإدخالها في مخطط نشاطاتها الثقافية المقامة في
المناسبات الوطنية والدينية ،أين تساهم الجمعية من خلال نشاطاتها في التعريف
بالقصر و برمجة مختلف الزيارات التي يقوم بها السياح من داخل أو خارج الوطن بإحضار
الوفود القادمة إلى القصر وشرح هيكله و كيف كانت الحياة فيه والمجتمع الذي عاش فيه
وطبيعة البناء والهندسة المعمارية المتميز بها ، و حسب نائب رئيس جمعية المنار
الثقافية فان الجمعية أقامت العديد من النشاطات الثقافية والدينية وهو الأمر الذي
يمكن من التعريف به ، إضافة إلى توسطها في إنتاج العديد من الأعمال اليسنمائية
والتاريخية لأنه جلب أنظار العديد من المهتمين بالمجال الفني والسينمائي ، إضافة
إلى إعداد مجموعة من الربورتاجات التلفيزيونة والإذاعات ، كما انه حظي باهتمام كل
السياح القادمين من مختلف البلدان، وقد طالب دوريش لمنور على لسان الجمعية بإعطاء
اهتمام اكبر للقصر خاصة وان أجزاء كبيرة و هامة لم تلمسها مخططات الترميم وإعادة
الاعتبار ، و قد تعرضت الكثير منها إلى الاندثار فمهما تكون الجهود التي تبذلها
الجمعية إلا أنها تبقى غير كافية لأنها محدودة و ضعيفة ، وقد اقترحت الجمعية
العديد من البرامج التي من شأنها إعادة الاعتبار والتعريف بالقصر وتنمية الحياة به
حتى يصبح كمرجع للتراث والسياحة وإلا فانه سوف يؤول إلى الزوال.
وزارة الثقافة والسياحة أول المعنيين بإعادة الحياة للقصر
رغم
إدراج مديرية الثقافة القصر ضمن اهتماماتها إلا أن انه يبقى يحتاج إلى اهتمام من جهات
اكبر وعلى مستويات أعلى من اجل إعطائه الأهمية البالغة ، ووضعه في مكانه الصحيح ،
فكثيرة هي المواقع الأثرية والتاريخية التي تزخر بها الجزائر والتي من بينها قصر
تمرنة ، فوزارة الثقافة معنية بوضعه ضمن أولوياتها بما انه مصنف ضمن القطاع
المحفوظ إعادة الاعتبار له تساوي إعادة الحياة للقصر ما يعني إعادة الحياة للمنطقة
ككل فهي سياحية بامتياز ، وتحتوي على بحيرة عياطة المصنفة ضمن معاهدة الامسار
الدولية من طرف منظمة اليونيسكو العالمية ، التي يزورها السياح من كافة أقطار
العالم ما يضفي على المنطقة طابع السياحة ما يؤدي إلى ضرورة الاهتمام به من طرف
وزارة السياحة التي يمكنها برمجته ضمن مخططات السياحة وإعطائه الميزة التي يمكن أن
يصبح منارة وطنية وحتى عالمية لأنه كنز دفين وتراث منسي ، ولعل كل من يقف بين
جدرانه يدرك الأهمية البالغة التي يحملها هذا الهيكل الفارغ والذي أصبح وكرا
للفئات الضالة و مخبأ للحيوانات الشاردة و غيرها من الأمور السيئة التي ترك الفراغ
الذي يواجهه القصر المجال أمامها لتستولي عليه ،وتمارس طقوسها وحريتها لان وجدت
المجال لذلك ، ما يضع الكرة في مرمي الجهات المسؤولة والتي يمكنها إرجاع الحياة
لقصر تمرنة ببلدية سيدي عمران بدائرة جامعة ولاية الوادي.
غالط
ردحذف